كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويشكل عليه ما مر آنفا من قول زيد ففقدت آية من الأحزاب إلخ فإنه بظاهره يستدعي أن في المصاحف العثمانية زيادة لم تكن في هاتيك الصحف والأمر في ذلك هين إذ مثل هذا الزيادة اليسيرة لا توجب مغايرة يعبأ بها ولعلها تشبه مسألة التضاريس ولو كان هناك غيرها لذكر وليس فليس ولا تقدح أيضا في الجمع السابق إذ يحتمل أن يكون سقوطها منه من باب الغفلة وكثيرا ما تعتري السارحين في رياض حظائر قدس كلام رب العالمين فيذكرهم سبحانه بما غفلوا فيتداركون ما أغفلوا وزيد هذا كان في الجمعين ولعله الفرد المعول عليه في البين لكن عراه في أولهما ما عراه وفي ثانيها ذكره من تكفل بحفظ الذكر فتدارك ما نساه وبعد انتشار هذه المصاحف بين هذه الأمة المحفوظة لاسيما الصدر الأول الذي حوى من الأكابر ما حوى وتصدر فيه للخلافة الراشدة على المرتضى وهو باب مدينة العلم لكل عالم والأسد الأشد الذي لا تأخذه في الله لومة لائم لا يبقى في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء بعد من القرآن وإلا لوقع الشك في كثير من ضروريات هذا الدين الواضح البرهان وزعمت الشيعة أن عثمان بل أبا بكر وعمر أيضا حرفوه وأسقطوا كثيرا من آياته وسوره فقد روى الكليني منهم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم سبعة عشر ألف آية وروى محمد بن نصر عنه أنه قال كان: {في لم يكن} اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم وروى عن سالم بن سليمة قال قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفا من القرآن ليس ما يقرأها الناس فقال أبو عبد الله مه عن ذه القراءات وأقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم فأقرأ كتاب الله على حده وروى عن محمد بن جهم الهلالي وغيره عن أبي عبد الله: {أن أمة هي أربى من أمة} ليس كلام الله بل محرف عن موضعه والمنزل أئمة هي أزكى من أئمتكم وذكر ابن شهر أشب المازندراني في كتاب المثالب له أن سورة الولاية أسقطت بتمامها وكذا أكثر سورة الأحزاب فإنها كانت مثل سورة الأنعام فأسقطوا منها فضائل أهل البيت وكذا أسقطوا لفظ ويلك من قبل لا تحزن أن الله معنا وعن ولاية على من بعد وقفوهم إنهم مسئولون وبعلي بن أبي طالب من بعد وكفى الله المؤمنين القتال وآل محمد من بعد وسيعلم الذين ظلموا إلى غير ذلك فالقرآن الذي بأيدي المسلمين اليوم شرقا وغربا وهو لكرة الإسلام ودائرة الأحكام مركزا أو قطبا أشد تحريفا عند هؤلاء من التوراة والإنجيل واضعف تأليفا منهما وأجمع للأباطيل وأنت تعلم أن هذا القول أو هي من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت ولا أراك في مرية من حماقة مدعيه وسفاهة مفتريه ولما تفطن بعض علمائهم لما به جعله قولا لبعض أصحابه قال الطبرسي في مجمع البيان أما الزيادة فيه أي القرآن فمجمع على بطلانها وأما النقصان فقد روى عن قوم من أصحابنا وقوم من حشوية العامة والصحيح خلافه وهو الذي نصره المرتضى وأستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات وذكر في مواضع أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة فإن الغاية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن مفجر النبوة ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء أختلف فيه من إعرابه وقراءته حروفه وآياته فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد وقال أيضا أن العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحة نقله كالعلم بجملته وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنفة ككتاب سيبويه والمزني فإن أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها حتى لو أن مدخلا أدخل في كتاب سيبويه بابا من النحو ليس من الكتاب لعرف وميزانه ملحوق وأنه ليس من أصل الكتاب وكذا القول في كتاب المزني ومعلوم أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء وذكر أيضا أن القرآن كان على عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم- مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن وأستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان وأنه كان يعرض على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويتلى عليه وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير مثبور ولا مبثوث وذكر أن من خالف ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع بصحته انتهى وهو كلام دعاه إليه ظهور فساد مذهب أصحابه حتى للأطفال والحمد لله على أن ظهر الحق وكفى الله المؤمنين القتال إلا أن الرجل قد دس في الشهد سما وأدخل الباطل في حمى الحق الأحمى (أما أولا) فلأن نسبة ذلك إلى قوم من حشوية العامة الذين يعي بهم أهل السنة والجماعة فهو كذب أو سوء فهم لأنهم أجمعوا على قدم وقوع النقص فيما تواترا قرآنا كما هو موجود بين الدفتين اليوم نعم أسقط زمن الصديق ما لم يتواتر وما نسخت تلاوته وكان يقرأه من لم يبلغه النسخ وما لم يكن في العرضة الأخيرة ولو يأل جهدا رضي الله تعالى عنه في تحقيق ذلك إلا أنه لم ينتشر نوره في الآفاق إلا زمن ذي النورين فلهذا نسب إليه كما روى عن حميدة بنت يونس أن في مصحف عائشة رضي الله عنها: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} وعلى الذين يصلون الصفوف الأول وأن ذلك قبل أن يغير عثمان المصاحف فما أخرج أحمد عن أبي قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن الله أمرني أن أقرأ عليك فقرأ علي: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل ذلك فلن يكفره وفي رواية: (ومن يعمل صالحا فلن يكفره وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وفارقوا الكتاب لما جاءهم أولئك عند الله شر البرية ما كان الناس إلا أمة واحدة ثم أرسل الله النبيين مبشرين ومنذرين يأمرون الناس يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعبدون الله وحده أولئك عند الله خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه». وفي رواية الحاكم فقرأ فيها: «ولو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه يسأل ثانيا ولو سأل ثانيا فأعطيه يسأل ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب». وما روى عنه أيضا أنه كتب في مصحفه سورتي الخلع والحفد: «اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكفار ملحق» فهو من ذلك القبيل ومثله كثير وعليه يحمل ما رواه أبو عبيد عن ابن عمر قال لا يقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله قد ذهب منه قرأن كثير ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى إلا أنها محمولة على ما ذكرناه وأين ذلك مما يقوله الشيعي الجسور: {ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور} وأما ثانيا فلأن قوله إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن إلخ إن أراد به أنه مرتب الآي والسور كما هو اليوم وأنه يقرأه من حفظه في الصدر من الأصحاب كذلك لكنه كان مفرقا في العسب واللخاف فمسلم إلا أنه خلاف الظاهر من سياق كلامه وسباقه وإن أراد أنه كان في العهد النبوي مقروءا كما هو الآن لا غير وكان مرتبا ومجموعا في مصحف واحد غير متفرق في العسب واللخاف فممنوع والدليل الذي أستدل به لا يدل عليه كما لا يخفى ويالله العجب كيف ذكر في هذا المعرض ختمات ابن مسعود وأبي على النبي-صلى الله عليه وسلم- وجعل ذلك من أدلة مدعاه مع أن مروي كل منهما يخالف مروي الآخر وكلاهما يخالفان ما في المصحف العثماني فالسور مثلا في مصحفنا مائة وأربعة عشرة بإجماع من يعتد به وقيل ثلاثة عشرة يجعب الأنفال وبراءة سورة واحدة وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين بل صح عنه أنه كان يحكهما من المصاحف ويقول ليستأمن كتاب الله تعالى وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتعوذ بهما ولهذا عوذ بهما الحسن والحسين ولم يتابعه أحد من الصحابة على ذلك وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قرأهما في الصلاة فالظاهر أنهما غير متواترتين قرآنا عنده والقول بأنه إنما أنكر الكتابة وأراد بالكتاب المصحف ليتم التأويل مستبعد جدا بل لا يصح كما لا يخفى وفي مصحف أبي خمسة عشرة لأنه كتب في آخره بعد العصر سورتي الخلع والحفد وجعل سورة الفيل وقريش فيه سورة واحدة وترتيب كل أيضا متغاير ومغاير لترتيب مصحفنا لا سترة عليها فسورة (ن) في مصحف ابن مسعود بعد (الذاريات) و(لا أقسم بيوم القيامة) بعد (عم) (والنازعات) بعد (الطلاق) (والفجر) بعد (التحريم) إلى غير ذلك وسورة (بني إسرائيل) في مصحف أبي بعد (الكهف) و(الحجرات) بعد (ن) و(تبارك) بعد (الحجرات) (والنازعات) بعد (الواقعة) و(ألم نشرح) بعد (قل هو الله أحد) مع اختلاف كثير يظهر لمن رجع إلى الكتب المتقنة في هذا الباب وكأن ران البغض غطى على قلب هذا البعض فقال ما قال ولم يتفكر في حقيقة الحال ولم يبال بوقع النبال قاصدا أن يستر بمنخل مختل كذبه نور ذي النورين الساطع عليه من برح شمس الكونين ومن بدر صحبه مع أن نسبة هذا الجمع إليهما من أوضح الأمور بل أشهر من المشهور وهو شائع أيضا عند الشيعة وليس لهم إلى إنكاره ذريعة ولكن مركب التعصب عثور ومذهب التعسف محذور وإذا حققت ما ذكرناه ووعيت ما عليك تلوناه فأعلم أن ترتيب آية وسوره بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أما ترتيب الآي فكونه توقيفيا مما لا شبهة فيه حتى نقل جمع منهم الزركشي وأبو جعفر الإجماع عليه من غير خلاف بين المسلمين والنصوص متظافرة على ذلك.